1. المادة الإعلامية Media :
والحديث هنا من حيث إخراجها مضمونا وقالبا وتطورها بشكل متسارع وإبداعي، شاملة عناصر المادة الإعلامية التقليدية: من صورة ثابتة أو متحركة، وكلمة مسموعة أو مكتوبة. علما أن الإعلام الجديد يسير باتجاه المادة المرئية كونها أكثر تعبيرا وملامسة للرسالة المراد إيصالها. كيف لا! والصورة تعبر عن ألف كلمة، والثانية المرئية تحوي خمسا وعشرين صورة ثابتة، ما يجعلها دون شك أكثر استدعاء للتفاعلية والديناميكية.
2. الديناميكية/ التفاعيلة Dynamic / Interactive :
مع بدايات فكرة الإعلام الجديد 1984 الذي جعل تقنيات الاتصال وسيلة فاعلة لتواصل الفرد مع الفرد، والفرد مع المعلومة، والذي تبلور ليغير جذريا صورة التواصل ذات الاتجاه الواحد (فرد – مجموعة) إلى اتجاه تفاعلي (مجموعة – مجموعة)، وفي العام 2002م وضح فين كروسبي أن مسارات الإعلام الجديد أخذت ثلاثة أشكال: "إعلام تواصلي شخصي (فرد – فرد)، وسيلة إعلامية (فرد – مجموعة)، والشكل المميز لها (مجموعة – ممجموعة)”. وبرز بعد ذلك مفهومٌ وشكلٌ آخر لهذا التواصل (مجموعة – فرد)، والعامل الفاعل لذلك كله: تقنية التواصل.
3. التقنية Technology :
وسائل التواصل التقنية كالحاسوب والهواتف الذكية و IPad -ابتكار العام 2010- والأجهزة التي تبعت مساره، جميعها دعمت هذا التواصل الإنساني الإعلامي ويسرته، وكلما زاد تطور هذه التقنية في كفاءتها وعرضها لمحتوى الإعلام الجديد ونقلها التفاعل وردود الفعل له، إضافة لاتساع شريحة مستخدميها، كلما كانت أكثر تأثيرا على المجتمع، وأكثر تواكبا مع رغباته، وأسرع تجاوبا مع أحداثه، وأقوى ارتباطا به ولكن كل ذا سيكون دون معنى من دون "الانترنت”.
4. الانترنت Internet :
العنكبوت أصبح إخطبوطاً، مرتبطا ومتصلا بالأشياء والأحداث بل والأشخاص، فحياتك متصلا بالانترنت "OnlLine” أهي مثل حياتك منفصلا عنه "Offline”، بل دعونا نذهب أبعد من ذلك: يعتقد البعض أن من لا وجود له على الانترنت في السنوات العشر القادمة فسيكون غير موجودا حينها وإن كان يعيش على سطح الأرض لا باطنها -وليس بأعجب ممن يبحث عن الكرة السحرية بين يديك حين تخبره عن تحليل وتوقع مستقبلي في عالم الانترنت، به حين يأتي مجددا بعد حدوث ذلك باحثا عن العصا السحرية- وقدرة الله فوق كل تقدير وتدبير. وكي لا نستبق الأحداث فلنقم بتجربة بسيطة: بأن نفكر في مدى وتأثير ارتباط الانترنت والتقنية بنا من أجهزة دون استثناء، وكيف سيكون الأمر متى أصبح خيالنا المستقبلي واقعا نعيشه.
5. حرية الرأي والنشر Democracy :
هذه الحرية تشمل حرية التعبير وإنشاء المحتوى ونشره وتسويقه واستخداماته، دون قيود قانونية أو تعقيدات إدارية أو أنظمة مؤسساتية، حرية في مشاركة فكرة أو حدث أو معلومة، يختلف اتجاهها تبعا لفحوى محتواها من حرية الخبر والنقد والأفكار الإبداعية والتفاعل مع المجتمع أو تفعيل المجتمع تجاه أمر ما.
هذه الحرية قيمة ضمن منظومة قيم أخرى تتكامل مع بعضها، نادت بها الحضارة الإسلامية منذ بدأها في كل مجالات الحياة، "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحرارا” الفاروق عمر رضي الله عنه.
إن من حرية العدالة وعدالة الحرية أن يكون اعتبارها وهمها تحقيق العدل والانتصار للمظلوم ["لقد شهدت حلفا في دار عبدالله بن جدعان، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيتُ به في الإسلام لأجبت"، الذي جعل ما بين المظلوم وبين نصره إلا أن ينادي يا آل حلف الفضول، فتتبادره السيوف ثم لا تنحجز عنه حتى تستخرج له حقه ممن كان] – العود الهندي بتصرف.
هذه الحرية لا تسمح لنا بالتعدي أو الإساءة بحجة ممارسة الحرية، ولنا في واقعة الرسوم الساخرة من شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خير شاهد على ذلك، فالحرية قيمة تابعة لقيمة عليا على رأس هرم الأخلاقيات والقيم: ألا وهي العدل، فالحرية نسبية والعدالة مطلقة.
6. المستخدم User :
اجتماع التقنية والمساحة للتعبير والفرصة لإيصال الرأي عوامل أساسية تظافرت لتعزز من المفهوم الجديد في عالم الإعلام (المستخدم ينشأ المحتوى user generated content)، في العام 2005 بلغ هذا المفهوم شكله المتكامل ليشمل الأخبار والإشاعات والتجارب الشخصية والخبرات والحلول في مختلف مجالات الحياة، وضمن وسائل متعددة كالتدوين، والتدوين المصغر، والمرئيات الرقمية، والمنتديات، ومصادر المعلومات المفتوحة، ومواقع الأسئلة العامة، والشبكات الاجتماعية، وحتى مواقع التسريبات Wiki. فالفرد لم يعد متلقيا عاديا بل له الحق في التعليق والتقييم والنقد، ولا مجرد .كاتب أو صاحب فكرة بل شخص مؤثر برأيه في المجتمع ووحدة إنتاج في ذاته -كلٌ بحسب ما يقدمه ومستواه-.
الإعلام الجديد "انعكاسات”
الفردية :
إن مجرد الهوس بتلقي جديد الانترنت أولا بأول من أخبار ومعلومات كان ولا يزال محل دراسة وتأمل، ولما صار الفرد مشاركا في صنع ونشر هذه المعلومة والخبر، نجده أكثر ارتباطا ومتابعة لما يقوله ويقدمه، من تفاعل الآخرين معها وتقييمهم لها، ونشوء مجتمع افتراضي خاص به يعيش فيه مثل مجتمعه الواقعي وربما أكثر، ماذا إذا أصبح موقع "الحياة الثانية
Second Life” سهل التعامل للجميع.
اللغة العربية:
تقارب التواصل جغرافيا، ومشاركة المواد المنشورة بسهولة تقنيا، عززت تبادل العديد من المفردات اللغوية والمصطلحات الفصيحة بين الناطقين باللغة، كما رفعت مستوى انتقاء الكلمة "المفردة” من أفضل ما نحفظ ونقرأ وما يحيط بنا، كما أنها أعادت بعضا منها للاستخدام، وكلما كانت الكلمة فصيحة بسيطة كانت أقرب وأيسر وصولا، وكذلك أكثر قابلية للترجمة، وهنا ميزة أخرى للانتشار بلغات أخرى خاصة في الأعمال المرئية، ولعل ثقافة الأعمال التي لا تحتاج لنص مقروء أو مسموع تصبح سائدة في عالمنا العربي لتكون أوسع في إيصال رسالة أعمالنا.
الموروث:
مع زخم المعلومات الحديثة والعولمة يبحث المستخدم العربي عن موروث خلفه الأجداد خلقا ومعرفة وحضارة، وإن كنت أجد حصر مفهوم الموروث على الفنون الشعبية قصرا لهذا المفهوم، فـ”الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"، وأجدُ في ذلك ميزة إيجابية لتوثيق الموروث بمختلف فئاته على مستوى القرية والبلدة والجهة الجغرافية وصولا للموروث الأصيل أدبيا وتربويا وعلميا.
الجديد لا ينفي القديم أو يقصيه، بل يستقي منه خالص خبرته وتجربته وعلمه، فانفصال الأجيال هُوةٌ، تعددت أشكالها ومآلها واحدُ.
السلوكيات والتفكير:
تركيز الاهتمام على أمر ما أو تجاه قضية ما أو نحو اهتمامات أخرى، ماذا عن التفكير في أمور لم تكن يوما في الحسبان فضلا عن آفاق جديدة في شتى حياتنا بتأثير الإعلام الجديد، ليس ذلك مستغربا ولكن الغريب أن يجعلنا نعيد التفكير في أمور كنا نراها مُسلّمات أو مستحيلة، يجعلنا نفكر في شأن خارجي أكثر من اهتمامنا، وكوجهة نظر: أن زيادة الارتباط الذي سببه تفاعل الإعلام الجديد مع المستخدم جعله أكثر استجابة دماغيا وسلوكيا وارتباطا بما يدور حوله في عالمه الافتراضي أكثر من مجرد كونه مستقبلا عاديا.
التاريخ:
قراءة وكتابة، فكي نتحدث حول أمر ما يلزمنا فهم أبعاده وتاريخه وتسلسله لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكم من أحداث تتكرر عبر الأزمان والعصور في معطياتها ومجرياتها والحياةُ دُوَل، وأما من حيث كتابته فمع قدرة الفرد على توثيق الأحداث التي تمر به كتابة والتقاطا لصورة ثابتة ومتحركة وإلى ما بعد ذلك من نقد وتحليل، وأرشفة ذلك كله في العالم الرقمي وعبر الشبكة العنكبوتية أصبح من المهم أن يتحلى الفرد بـ: عقلية المؤرخ.
الإعلام الجديد "إطار أم مسار”
هل الإعلام الجديد غاية أم هدفٌ موصلٌ للرؤية، مبلّغٌ للرسالة؟
والإجابة موجودة ضمن السؤال، فغياب ما بعد "أم” يجعله غاية في ذاته وإطارا لمستخدمه، ووجود ما بعدها يجعله هدفا ومسارا لغاية مستخدمه. الإعلام الجديد نظرية لها فلسفتها واستراتيجيتها وتكتيكها الخاص بها، ومن هنا يتبادر إلى الذهن سؤال:
هل يلغي الإعلام الجديد الإعلام التقليدي؟
والجواب على ذلك أن المحتوى والمادة الإعلامية بمختلف استخداماتها وأغراضها لن تزول وتنقرض بل ستتكيف مع التغييرات وتعيد قولبة نفسها وفقا لمفهوم وفلسفة الإعلام الجديد والتطور المصاحب له، مثالا على ذلك تجد البي بي سي BBC قامت في العام 1995م بالتفاعل مع الأفراد عبر Have Your Say في برامجها الإذاعية عبر الأثير، وانتقلت الفكرة بشكل مطور مع ثورة الانترنت في العام 2005م فقامت بإنشاء
مدونة خاصة بهذه الخدمة تشمل النص المقروء والمسموع والصورة الثابتة والمتحركة، وفي 2008م أنشأت حسابها على
تويتر لتفاعل أسرع وأقرب، وتجد على
موقعها الرسمي الخاص بهذه الخدمة إمكانية إرسال الرسائل القصيرة إضافة للخدمات السابقة، وهنا رابط الخدمة العربية "
شارك برأيك"، هذا فضلا عن التواكب مع الأجهزة المحمولة والتقنيات الحديثة.
وهنا نرى أنه كلما زادت رقعة الإعلام الجديد ومستخدميه كلما بدى الفارق أكثر وضوحا مع وسائل الإعلام التقليدي، وهنا الأنسب أن نقول: أن المهدد بالانقراض هم أفراد ومؤسسات الإعلام التقليدي الذين لم يتواكبوا ويتكيفوا مع معطيات ومستجدات الإعلام الجديد، فهل سينظر إليهم يوما أنهم من التاريخ.
الإعلام الجديد "آفاق وأبعاد”
الإعلام الجديد مساحة لإبراز المواهب، وحافز للإبداع، وهنا إيجابية عالية سيما وأن العقل العربي لديه استجابة عالية للإبداع والابتكار عند الحاجة و”الحاجة أم الاختراع”، دون الالتفات لتقييم مسبق تبعا للعمر مثلا بل للمنتوج الذي يقدمه المستخدم عبر الإعلام الجديد، وأعجبتني عبارة لأرسطو يقول فيها: بالغريزة يتعلق الأدب لا بتقادم الميلاد.
الإعلام الجديد فرصة كبيرة لترتيب الأوراق والانطلاق من حيث ابتكر الآخرون، دعما وتطويرا للمورد البشري "الفرد" فهو من يغذي المحتوى العربي، وفرصة للتنافسية التكاملية في مختلف المجالات، فالانعكاسات السابقة هي أمثلة محفزة لصاحب كل فن ومجال في انعكاسات الإعلام الجديد على مجاله، وأن نفكر ونخطط للجيل القادم.
الإعلام الجديد ليس وردٌ كله، فهو عالم افتراضي يعكس العالم الحقيقي، وهنا تأتي الإشارة إلى مصداقية الإعلام الجديد في كونه أقرب للناس وأكثر قبولا وتفاعلا ومصداقية، فالفرد أقرب لفرد مثله، ولأن ردود الفعل تصل إلى الفرد مباشرة، مما يدفعه لمزيد من الدقة والتحري والبحث، خاصة في الأخبار بشكل موضوعي دون دوافع خفية أيا كانت، فكما يقولون: "إنما آفة الأخبار رواتها”.
مصداقية الإعلام الجديد جلية في تأثيره المباشر وغير المباشر في حياتنا وتأثيرنا فيه، الذي أصبح واقعا ملموسا، عبر وسائله من مواقع تفاعلية وإعلام اجتماعي Social Media، التي وضحت فعليا دور الإعلام الجديد وتأثيره، لترصد ما يقال تجاه أمر أو قضية ما، ولكن هل تعي هذه الوسائل أن "الصمت موقف”.
الإعلام الجديد دافع كبير للتعلم والتطوير في الثقافة العامة والتخصص، وربط الصنعة بالصنعة، وتحويل الهواية للاحتراف بإعطائها الوقت الكافي لها، وأن تكون ضمن فريق عمل محترف، وأن يكون للهواية احتياج فعلي في سوق العمل، وأجدني كلما تمعنت في مرآة ذاتي وجدت ضعفا بحاجة لأن يقوى، والأعجب حين تجعل مما حولك مرآة ترى بها عبر مرآتك مالم تكن تراه إن أحسنت توجيهها، وهنا يكمن جمال البحث عن الكمال، والكمالُ مطلبٌ عزيز، وما ذلك على الله بعزيز.