لست محتاجا لوضع خطة لتأسيس شركة - موضوع مترجم عن هارفرد بزنس ريفيو - ترجمة : عمر عمران
إذا أردتَ البدء بتأسيس عمل جديد، ستحتاج إلى وضع خطة، أليس كذلك؟ لا، ليس تماماً.
أجريتُ مع زملائي بحثاً لكتاب أشارك في تأليفه (عنوانه: قلوب، وأدمغة، وحدس، وحظ Heart, Smarts, Guts, and Luck، سيصدر عن مؤسسة هارفرد للنشر في أغسطس) يتضمن جزء من البحث مسحاً وإجراء مقابلات مع مئات من المستثمرين الناجحين من مختلف أنحاء العالم بهدف الوصول إلى فهم أفضل لما يحتاجه المرء ليصبح مقاولاً ويبني شركة عظيمة بحق. كان أحد الاكتشافات الأكثر مفاجأة لنا أنّ من بين المستثمرين الذين نجحوا في مشاريعهم (أي الذين استطاعوا إيصال شركاتهم للاكتتاب العام في البورصة، أو تمكنوا من بيعها لشركات أخرى) 70% منهم لم يبدؤوا مشاريعهم من خطة عمل.
وجدنا أن الأعمال الناجحة لهؤلاء بدأت من مكان نسميه القلب، ولم تنشأ نتيجة خطة موضوعة. لم يكن مصدر إيمانهم أرقاماً في مستند بل كان شعوراً ورغبة جامحة دفعتهم للعمل من أجل رؤية موثوقة آمنوا بها. لهذا بدل إضاعة الوقت في كتابة فكرتهم، اتجهوا إلى تنفيذها فوراً، مستعينين بما سيطر عليهم من شغف وجلاء الهدف.
على أنّ التخطيط ليس سيئاً بكل أشكاله. شكله السيء يكون عندما تبذل جهداً كبيراً من أجل كتابة الخطة "المثالية” على أمل إثبات صحة فكرتك ولو تقريبياً، لتجد بأنها تقودك إلى نتائج خاطئة تماماً. أحد أسباب هذا التضليل في النتائج يعود إلى أن مضمون الخطة عادة ما يكون بعيداً عن الواقع الذي سيتكشّف لاحقاً عند بدء العمل، فمعظم الخطط التي توضع لإنشاء شركات جديدة تُركّز على سوق عملاقة واعدة، وتتخيل كيف أن إيجاد طريق يوصل المقاول إلى الحصول ولو على حصة صغيرة جداً من هذه السوق ستدّر عليه وعلى أي مستثمر يموّل مشروعه الكثير من المال. لدى أحد زملائي مثال افتراضي يوضح هذا النمط من التفكير: أن تبيع في كل شهر لوحاً واحداً من الصابون بدولارٍ واحدٍ فقط إلى 0.5% من سكان الصين، سيؤسس عملاً يُدّر عليك 100 مليون دولار! خطةٌ رائعةٌ بلا شك، لكن طبقها إن استطعت.
يجب أن تأخذ الخطة بعين الاعتبار أن الموارد تكون محدودة عند انطلاق أعمال الشركة، لذا أفضل ما يمكن أن تتضمنه خطة المشروع هو معلومات من أرض الواقع، تُستخلص من خلال القيام بتجارب تختبر فكرة المشروع. لكن تجنّب المبالغة في هذه التجارب، اجعلها بسيطة بحيث يمكن تكرارها وقياس نتائجها وبحيث تخبرك إذا كنت على الطريق الصحيح أم لا.
ما أقوله لا ينطبق على المؤسسات الناشئة فقط، فهندسة أي عمل استراتيجياً يجب أن تعتمد على حقائق يتم التوصل إليها من خلال اختبارات واقعية، بما يبقي صاحب العمل قادراً على تعديل مسار شركته بحسب ما تستدعيه الظروف لاحقاً. هذا ما يسمى بالاستراتيجية "الطارئةemergent ” أو "التطورية evolutionary” كما يسميها هنري مينتزبرغ Henry Mintzberg، أحد المبدعين في مجال نظرية استراتيجيات التنافس.
لدى شريكي ماتس ليدرهاوسن Mats Lederhausen (كان رئيس قسم التخطيط في ماكدونالد ورئيس مجلس إدارة شركة شيبتول Chipotle) رؤيته الخاصة لهذه الاستراتيجية أيضاً: فكّر كالكبار، ابدأ كالصغار، ثم ارتق أو توقف بسرعة. think big, start small, then scale or fail fast.
لهذا كله لا تقلق كثيراً بشأن الخطة. لكنني سأقدّم لك في السطور القليلة التالية بعض الأفكار لأخذها بالحسبان عند تصميم خطةٍ تكون موجّها لتفكيرك بالشكل الصحيح، وتقوي موقفك عند تقديم مشروعك للممولين المحتملين، وتعينك على تحضير فريقك:
1. حدّد رؤيتك واجعلها يقيناً في قلبك. سواء أردت تسميتها بالرؤية، أو السريرة، أو الغاية، أو الدافع، المهم أن يكون واضحاً لديك السبب الداعي للبدء بهذا العمل أو ما يمكن تسميته بالهدف الأكبر الذي تسعى إليه.
2. فريق العمل أهم من أي فكرة أو خطة. فكر فيمن سيعمل معك، واجعل هذا في رأس أولوياتك ولا تدع شيئاً ينافس أهميته في ذهنك.
3. فكر كالكبار، ابدأ كالصغار، ثم ارتق أو توقف بسرعة. بحسب نصيحة شريكي ليدرهاوسن عليك أن "تبدأ كالصغار start small”، ويكون هذا بوضع المَعلَم الصحيح الأول الذي ستبدأ بالعمل للوصول إليه. يتضمن هذا المَعلَم عادة اختبار رغبة الناس في الشراء، أو ربما إقبالهم على تجريب ما لديك.
4. ركّز على قسم من السوق محدد بشكل جيد، أو تخصّص في سوق صغيرة (niche). كبداية، فكر في المجال الذي يمكنك التفوق فيه، هذه الاستراتيجية دائماً أنجح من مجرد دخولك إلى سوق ضخمة كمجرد لاعب آخر فيها.
5. استوعب نمط عملك business model. أن تعرف الكيفية التي ستجني من خلالها المال أجدى لك بكثير من تحضير جداول مالية تحاول توقع إيراداتٍ يصعب جداً توقعها في هذه المرحلة المبكرة. لهذا حاول أن تكوّن فكرة مبدئية عن الطريقة التي ستجني من خلالها المال، مثلاً هل هي من خلال البيع والشراء، أو الإعلانات، أو الاشتراكات، ..الخ؟
هناك سوق لا تنضب من الدورات والكتب والنماذج التي تَعِدُ بإرشادات شبه مفصّلةٍ على مقاس كل شخص يحتاج لوضع خطة. قد تفيد بعض هذه الأدوات في وضع نهج ينظّم العمل الجديد، لكن المشكلة أنها في أغلب الأحيان أدوات مضلّلة لأنها تركز على إكمال الخطة أولاً قبل فهم روح المشروع واستيعاب إن كان سيعني شيئاً للآخرين. أضف إلى ذلك أنّ الكثيرين يتملّكهم شعورٌ بأنهم أنجزوا شيئاً مهماً عند الانتهاء من وضع الخطة، لكن ما هذا الذي أنجزوه حقاً؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال المقارنة بين ما ستجنيه من تحضير جداول تقسّم العمل وما ستجنيه من التركيز على شغفك وغايتك التي ترجو بلوغها من العمل الجديد. لهذا يجب أن يكون القلب حاضراً من اليوم الأول، ومهما بلغت الخطة درجة عالية من البحث والتفصيل لن تُغني عن وجود القلب الصادق فيما يريد والحدس الذي يوجّه المشروع حتى ينهض.
نُشِرَت النسخة الإنجليزية من هذه المقالة التي أقدمها لكم اليوم بالعربية، في موقع مجلة هارفرد بزنس ريفيو الشهيرة التابع لجامعة هارفرد. كاتب المقال أنثوني تان Anthony K. Tjan الرئيس التنفيذي والمؤسس الشريك لشركة Cue Ball
ترجمة عمر عمران