ابراهيم دبدوب : البنوك المركزية باتت عاجزة تقف البنوك المركزية الأوروبية اليوم عاجزة أمام ما يحدث في أوروبا والعالم. لقد طال أمد الأزمة المالية العالمية وتعمقت لدرجة أن السياسات النقدية قد بدأت تفقد فعاليتها. وأمام هذا الواقع، يصبح الحل رهنا بالحكومات وصناع القرار السياسي، اليوم أكثر من أي وقت مضى. في كل اجتماع لها، ومع كل تصريح، تفقد هذه البنوك المركزية بعضا من وزنها على الساحة الاقتصادية. وفي اجتماعاتهم الأخيرة بداية الشهر الجاري، لم يخرج كل من البنك المركزي الأوروبي ومجلس الاحتياط الفدرالي وبنك انكلترا بأي جديد يذكر. لقد أعادوا جميعا التأكيد على ضرورة اتخاذ سياسات تحفيزية إضافية، لكنهم لم يوضحوا أو يحددوا ماهية هذه الإجراءات. ورغم أن تصريحات محافظي البنوك المركزية هذه ربما تكون قد هدأت قليلا - ولفترة محدودة - من قلق الأسواق والمستثمرين حول العالم، فإن «وعودا» بـ «اتخاذ كل ما يلزم وكل ما هو ضروري».. باتت تفقد بريقها، والعالم قد ملّ منها في حقيقة الأمر. وبغض النظر عن نية البنوك المركزية وجهودها، هناك واقع لا يمكن تجاهله، ألا وهو أن قدرتها قد باتت محدودة، بل إنها حتى تتقلص مع مرور الوقت. فعلى عكس ما كان يحصل خلال العامين 2008 و2009 من عمر الأزمة المالية العالمية، لم تعد البنوك المركزية خشبة الخلاص أو صاحبة كلمة الفصل كما كانت في السابق. وبات تدخل الحكومة ومؤسساتها الأخرى حاجة ملحة. وفي رأيي، يدرك محافظو البنوك المركزية الأوروبية هذه الحقيقة جيدا. بل إنهم ربما أرادوا من اجتماعاتهم الأخيرة أن يضغطوا في هذا الاتجاه. فرئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي قد قالها صراحة حين أكد أن البنوك المركزية لا يمكنها أن تستبدل الحكومات. وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن أدوات السياسة النقدية بدأت تفقد فعاليتها، والمطلوب أن تلعب الحكومات دورا أكبر لمعالجة الأوضاع. والملاحظ أنه في أقل من شهر تقريبا، تغير خطاب دراغي، أو على الأقل خفت نبرته بشكل واضح. إذ خلال الشهر الماضي في لندن، أعاد دراغي التأكيد على أن المركزي الأوروبي سيتخذ كل ما يلزم للحفاظ على اليورو والعمل على خفض تكلفة التمويل على الديون السيادية. لكنه عاد بداية هذا الشهر ليقول بما معناه ان الأسواق قد فهمت بشكل خاطئ ما كان يعنيه، هذا إلى جانب الأحاديث الكثيرة حول انقسام وجهات النظر بين أعضاء البنك المركزي الأوروبي. وهذا يقودنا إلى خلاصة أن دور البنوك المركزية في معالجة الأزمة المالية العالمية يتقلص مع مرور الوقت - وهو ما يجب أن يدخل في حسابات الأسواق وصناع السياسات من الآن فصاعدا - وأن كلمة السر باتت بيد القادة السياسيين. إن القادة السياسيين هم وحدهم اليوم القادرون على مواجهة مشكلة ضعف النمو، وثقل الديون وإحجام المستثمرين ومخاوفهم. فالأزمة الاوروبية لا تنحصر إطلاقا بضعف المؤشرات الاقتصادية وشح السيولة وغيرها من التداعيات الاقتصادية والمالية، بل هي أزمة في تنافسية الاقتصادات الأوروبية وحاجتها إلى إصلاحات مالية كبيرة إن لم نقل جذرية، هذا بالإضافة إلى إصلاحات سوق العمل. وهو ما يتخطى قدرة البنك المركزي الأوروبي على فعله، وفي الوقت نفسه، ما يقف عند حدود القرار السياسي في أوروبا. وكلما تأخر هذا القرار، تعمقت هذه المشاكل وتشعبت. بطبيعة الحال، فإن هذا القرار رهن بالإرادة السياسية الواحدة في أوروبا، وهو ما ليس محققا في الوقت الراهن، ولا أراه سيتحقق في الأفق المنظور.
|