نعت أوساط سياسية كثيرة في الغرب الديموقراطية البرلمانية. أما الذين لا يزالون يؤمنون بها فيقولون إنها في المرحلة النهائية من حياتها المديدة. كما ان لا بديل لها في المستقبل المنظور.
لا يعني ذلك ان الديموقراطية كنظام سياسي قد انتهت. بل ان شكلاً معيناً منها قد فقد فاعليته. لقد احتوى ذلك النظام من قبل آلية للنقاش ولاتخاذ القرارات، أثبتت صحتها. ولكن التطورات التكنولوجية وأجهزة الاتصال الحديثة توشك ان تحيل الديموقراطية البرلمانية إلى التقاعد.
نشأت الديموقراطية البرلمانية في بريطانيا والولايات المتحدة في القرن الثامن عشر. وتمثل ذلك في المجالس النيابية التي كانت تفرض إرادة الشعوب على الحكومات، الملتزمة تنفيذ ما تقرره تلك المجالس. ونشأت في الولايات المتحدة مؤسسات ديموقراطية كثيرة غير مرتبطة بالنظام السياسي وتمارس الرقابة وآلية اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية. ما يقلل إلى حد كبير تجنب ارتكاب الأخطاء. لم يتخذ النظام الديموقراطي صيغة واحدة. ففي بريطانيا، نظام برلماني لرئيس الوزراء فيه صلاحيات واسعة. أما في الولايات المتحدة فالنظام السياسي كان ولا يزال رئاسياً يتمتع فيه الرئيس (نظرياً) بالصلاحيات المطلقة.
ترتبط الديموقراطية البرلمانية بثلاثة شروط، هي أولاً إمكانية اتخاذ القرارات عبر العملية الديموقراطية والمؤسسات الفاعلة في النظام السياسي. وتمر تلك العملية في نهج خاص يتضمن مراحل متعاقبة او متزامنة. ويجب عند ذاك ان تكون السلطة التنفيذية بعيدة تماماً عن التأثير في القرارات المتخذة. أما الشرط الثاني فيتعلق بالمشاكل التي يمكن ان تنشأ في حال عدم دراسة ومناقشة البدائل المتاحة. يجب تقديم فرضيتين على الأقل بحيث يمكن للأشخاص العاديين المفاضلة بينهما. وتلعب المعارضة البرلمانية والشعبية دوراً بالغ الأهمية هنا. وإذا أحجمت المعارضة عن أداء ذلك الدور، فإن ذلك يعني وقوع الديموقراطية البرلمانية في أزمة خطيرة جداً. لذا يجب على المعارضة تقديم البدائل دوماً. ويجب النظر إليها كحكومة احتياطية او حكومة ظل. ويجب عليها كذلك ان تكون حاملة للبرنامج البديل. وبدون وجود المعارضة، لا يمكن للنظام السياسي ان ينجح. اما الشرط الثالث فيتعلق بجمهور الناخبين، الذين يعرفون تماما الوضع السياسي. والبدائل المتاحة. لذا فالناخب الذي يجلس في غرفة الانتخابات، يجب ان يحكّم ضميره فقط، حين إدلائه بصوته.
هذه الشروط الثلاثة يجب ان تكون متوافرة، إذا أريد للديموقراطية البرلمانية ان تعمل. ولم يكن الأمر بهذا الوضوح من قبل. لذا وقعت تلك الديموقراطية بصعوبات كبيرة.
تشهد العملية السياسية، وخاصة وقت الانتخابات العامة تدخلات من الهيئات الاقتصادية وخاصة من البنوك والمؤسسات المالية. وقد تصاعدت تلك الضغوط في زمن العولمة. وقد يؤدي ذلك إلى نجاح تلك المؤسسات في الوصول إلى أهدافها، لذا يجب تفعيل مؤسسات الرقابة على المال السياسي وكيفية إنفاقه.
لا يبدو في الوقت الحالي ان الديموقراطية البرلمانية ستتلقى ضربة تقضي عليها، لكي تحل محلها الديموقراطية المباشرة التي تعتمد على الانترنت ووسائل الاتصالات الحديثة. وتبقى هي النظام الأفضل سياسياً، إلى ان يحل محلها نظام أشمل يتخلص من الشوائب التي تحيط بها حالياً.