ربما لم تهاجم شخصية وتشوه وتكفّر وتفسّق خلال العقود الماضية مثل شخصية الدكتور تركي الحمد. حمُّلت كلمات كثيرة في رواياته على لسان أبطالها ما لا تحتمل. اقتصت مقولات نزعت من سياقها وأخذت من فم البطل ووضعت على أنها هي عقيدة تركي الحمد وأنها هي المنهج الذي يسير عليه. اختصرت مسيرة تركي الحمد الفكرية والثقافية وتاريخ صراعاته السياسية والفكرية بمقولات من رواية! بل ووضعوا شخصية "هشام العابر" هي شخصية الحمد. مع أنها شخصية افتراضية وليست حقيقية. والحمد لا تنقصه الشجاعة ليكتب أقوى أفكاره وأكثرها وضوحاً أو تمرداً باسمه الصريح. فهو ليس خفّاشاً ليختبئ وراء هشام العابر ليعبر عن أفكاره وآرائه. صراحته ب"تويتر" أكبر مثال، التخفي وراء اسم بطل مستعار ليقول عدة كلمات أمر غير منطقي ولا يفهم من أعدائه.
هناك فرق بين نقاد تركي الحمد وبين أعدائه، النقاد ضرورة للمنتج والكاتب، لكن الأعداء أولئك الذين يشمتون بمصائب الآخرين، أو يكفّون عن تعزيته حين رحل ابنه حمد رحمه الله، هذا هو التشفي والعداء. عانى الحمد من الدنيا ومن المجتمع وتقبّل كل الأحداث بصدر رحب وبابتسامة واسعة. في ظهوره الأخير على قناة "روتانا خليجية"، كان ثابتاً متماسكاً حتى وهو يرى صورة ابنه الراحل، يبتسم لكل الأقدار وهذا هو صميم الإيمان وقوة التجلد. قال لي محاوره الزميل عبدالله المديفر: إن كثيرين فوجئوا بشخصية الحمد بعد الحوار، وندموا لأنهم حمّلوه في السابق ما لا يحتمل!
كتب الحمد مؤلفات مهمة، من بينها "السياسة بين الحلال والحرام" و"عن الإنسان أتحدث" وهي كتب تصب في مصلحة الإنسان عموماً، مهما كان دينه أو لونه أو جنسه، وليت أن كتابه "السياسة بين الحلال والحرام" يكون مقروءاً في الكليات السياسية أو الحقوق أو حتى في كليات السياسة الشرعية، لأنه يتناول الموضوع من زاوية تدخل ضمن النقاش التراثي للسياسة.
أبو طارق كتاباته غنية مثيرة للنقاش والسجال، وهو مثير للجدل دائماً، في كل حالاته، والاختلاف معه يثريه ويغنيه، يرحب بالناقد ولا يلقي بالاً للعدو الذي يريد أن يدمر أو يقتل بعد أن يكفّر ويفسّق!
لا معنى لاختصار تركي الحمد ورحلته المديدة بكلمات اجتزئت من سياقها، فلو أنك سألت أي شخص من جيوش الشاتمين له: هل قرأت شيئاً لتركي الحمد؟! لأجاب بالنفي! إنها مسألة عاطفية، بدليل أن أحد أعضاء منتدى قام بحركة دالة، حين نسخ مقالة لتركي الحمد وقال: "هذه مقالة الشيخ فلان العظيمة" فأثنى عليها الجميع، وحين انتهوا قال لهم: كاتب هذا النص هو تركي الحمد!! فصعقوا لأنهم لا يدركون خطر العاطفة حين يقرأون النص، فهل نستطيع أن نكون أقل عاطفةً وأكثر عقلانيةً في انتقاداتنا؟!